أرشيف

من خطاب الحسينية في الحديدة الى خطاب الحسيني في لحج

منذ سماعي اغنية امي وهي تهدهدني على حضنها الى اليوم لم اسمع كلمة قلب ترد على لسان الرئيس الا في خطاباته المتأخرة والتي بدأها من حسيني لحج قائلاً: (قلبي هو قلبكم وقلبكم هو قلبي).
 
صحيح ان هذه العبارة تفتقر الى الحبكة الجيدة الا انها مؤشر جيد كونها التمرين الرومانسي الاول ودعونا نكون متفائلين الى حد كبير ولا نرجع الامر الى جو الحسيني الشاعري الذي انجب الرائع القمندان وانا مستبعد ان يكون الامر متعلق بالفل والا لماذا ابدى الرئيس خشونة مفرطة في خطاب الحسينية بجملته الشهيرة التي تأبدت في الذهني الجمعي (اشربوا من مياه البحر) وسحق اعتبار فلها ووردها وقلوب ساكنيها الطيبين جداً وبين حسيني لحج وحسينية الحديدة اشياء واشياء تلمس جروحها ذات مرة الطبيب مروان الغفوري.

ربما تحتاج تشجيعاً تلك البداية الرومانسية للخطاب الرئاسي التي جاءت بمفردات جديدة اذا ما تعلق الامر بالالفاظ الواردة في الخطاب والتي جاءت ممزوجة- في الغالب- بالالوان الكفيلة باحداث قشعريرة في الجسم لمجرد قراءتها او سماعها (النظارات السوداء، الخطوط الحمراء، الدم، الكلاب المسعورة، الكرسي من نار، رؤوس الثعابين، الجماجم) اذ يبدو الرئيس كخبير اجتماعي يتحدث عن الصحة الانجابية امام القوى البحرية قبل خطابه الاخير في حضرموت الذي اكثر فيه من الوقوف على اطلال الماضي او ما يشبه الحنين الوجداني كما لو ان محمد سعد عبدالله عاد ليقول (يا حبيب عود كما كنا زمان) كتكتيك سياسي اكثر من كونه مشاعر صادقة طالما حفظها الاصلاح عن ظهر قلب ولو جاء الرئيس بالاعمال الكاملة لافضل شعراء الغزل ووظفها لجلب مشاعر الاصلاح فلا يزال هاجس الكروت المحروقة يطارد الاصلاحيين كدخان مسيل كنهكة الورود الصناعية الذي حاول فيها لفت نظرهم. حتى وان جاء صالح بتهديد مملوء بالشفقة على نحو (الانتحار السياسي) فلن يكون اكثر من انتحار 2001 والغاء المعاهد العلمية ولن يكون اكثر مرارة وقسوة من المحاولة المستميتة لشيطنة حزب عريق بحجم ونزاهة الاصلاح والتسويق له دولياً في لحظة كان الاصلاح بحاجة الى الوقوف معه حينما كان جريحاً في 2001 ميلادي اثناء اندلاع مصطلح الحرب على الارهاب حينما كونت السلطة جبهة اعلامية اتخذت من الاصلاح نصعاً لها، ولا زلت اتذكر تلك المانشيتات التي علت صحيفة الميثاق وكانت بمثابة تقارير اعلانية تقدم ابناء الوطن على انهم ارهابيون كنوع من نوع الكيد السياسي اللااخلاقي ثم نشطح بعد ذلك بالوطنية ناهيك عن استقطاب ما بات يعرف بالعائدين الجديد الذين لهم مواقف مناؤوة للحركة الاسلامية لاسباب معروفة.

كل هذا كفيل بازدهار اللقاء التاريخي (للقاء المشترك) كهم شعبي عام يفتخر الاصلاح بعلاقته الوفية مع الاوفياء من شركاء النظال من الاشتراكيين والناصريين والبعثيين والاتحاديين وبقية احزاب اللقاء المشترك فالاصلاح لا يخاصم ترفاً ولا يصادق زيفاً وينفر بشده من سلوك الحرباء كما هي قيمه المرسومة التي شب عليها منذ نعومة اظافره فحجم الاشتراكي والناصري عند الاصلاح كبير بنضاله ولم تقزم هذا الحجم الخطابات الرئاسية المتعلقة بالمقاعد.

ويبدو الاستاذ احمد عبدالملك المقرمي شاهداً على العصر النيابي الحالي، وذات مرة صرخ بقوله: (سنة سابعة تزوير) ابان فترة تمديد فبراير وأظن صرخته كانت عنوان مقال في (الاهالي).

ولست مضطراً هنا لذكر جراحات كثيرة عانى الاصلاح منها على مستوياته القاعدية والهرمية كان اقلها استدعاء محمد اليدومي القيادي المعروف الى النيابة العامة ونعته بالمتهم بعد قضية اغتيال جار الله عمر وكم هو محزن ان يهان ضيفك في بيتك فما بالك باغتياله وكم يتنهد الاصلاحيون كلما ذكر جار الله عمر الذي قال لزوجته صباح ذلك اليوم الحزين (عطريني فأني ذاهب للقاء الاحبة).
 
وكم كان اليدومي حضارياً وهو يجيب على اسئلة النيابة وسلطة نعتته بالمتهم.. سلطة بدوية تتعجرف تحت عباءة القانون، ولن انسى اليدومي وهو يوجه اعضاء الاصلاح الذين احتشدوا حول النيابة بالانصراف كما لو انه يقول لهم: انا مواطن عادي وقانوني أكثر من ادعياء القانون.

من المقصود بواو الجماعة
 
لقد أصاب الرأي العام التعب والملل من تمايل الرئيس وغزله واصبح شديد الحذر تجاه وعود لا يسأم الرئيس من تكرارها مظهراً نفسه بأنه رجل عمل حقيقي، ولعلنا نكون اكثر ايماناً وتحمساً لعبارة مفادها (تجريب المجرب خطأ وتكرار المجرب خطأ مرتين- كما قال الشهيد الحمدي ذات يوم..
 
لماذا يستخدم الرئيس جملاً من تلك الجمل التي استخدمها في خطاب الاسبوع الماضي بحضرموت: (دعونا نتحدث عن مأكل ومشرب الناس بعيداً عن الخطابة والوعود غير الصحيحة، نتحدث عن ما هو همنا اليوم والمتمثل بالجانب التنموي الذي يحل المشكلة تماماً من خلال توفير فرص العمل للعاطلين، فلدينا عدد كبير من خريجي الجامعات والمعاهد المهنية والفنية، ونحن نركز دائماً على المعاهد المهنية والفنية لتأهيل عمالة ماهرة ومنتجة ومفيدة للوطن ولعملية التنمية” وان كان غير مفهوم من هو المقصود بواو الجماعة في (دعونا) ومن الذي يمسك على ايدي الرئيس ويمنعه من التفرغ للبناء؟ هل للعداد علاقة بذلك ام ان هم الرقص على رؤوس الثعابين انسى الرئيس هم التنمية الميئوس من تحقيقها.

واذا ما تعلق الامر بالصحافة التي يفرد لها الرئيس نصيب الاسد في تهكمه لا تقل عن نصيب المشترك فاقرأ ماذا يقول عن الصحافة واصفاً ما تنشره انه لمجرد الاستهلاك ومجرد ارهاصات وارهاب اعلامي وثقافي ليس له وجود على ارض الواقع، فالمواطن ينتقل من حضرموت الى صنعاء ومن عدن الى حضرموت في أمان، فكل ابناء الوطن بشبابه وشيوخه ورجاله ونسائه واطفاله مع الامن والاستقرار وضد الفوضى وثقافة الكراهية”- حسبما قال- كما لو انه يريد ان يزج بالصحفيين في معركة مع ركاب البيجوهات وباصات النقل اذ لا دخل للصحافة بأمور الفرزة وسلامة الطريق واسبوع المرور، ام ان الصحافة تلعب دور في حجب الاضاءة الخضراء في جولة التوريث كتوقع افتراضي.
 
ويستساغ هنا طرح سؤال من قبيل: لماذا يضطر الرئيس هذه الايام بالرد على كل شاردة ووارده اذا ما تعلق الامر بالصحافة كما لو انه محرر بالميثاق!؟ لقد كان الاولى افساح المجال للدائرة الاعلامية او لوزير الاعلام او احد العاملين بنظام الاحتراف من الاعلامين القادمين الى صف الحزب الحاكم لتناول هذه الامور البسيطة التي لا يستحب ظهور الرجل الاول في البلد طرفاً فيها والحجة على السكرتير الصحفي.

تعز بين مهرجانيين
 
بعد ان دشن المشترك الهبة الشعبية من تعز كما هي عادة تعز ان تكون صفارة انطلاقة للمشاريع النضالية الكبيرة الكبرى, كان اتصال رئاسي لحمود الصوفي بأن يحرك طلاب المدارس وموظفي المرافق الحكومية معتمداً على نص قانون نيوتن الثالث لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، ولكن: حضرت حافظة الدوام في المهرجان الذي قادة حمود الصوفي وغابت في المهرجان الذي قاده عبدالحافظ الفقيه وحلقت الهيلوكبتر ومنعها الضبابط من الهبوط بينما حضر الآنسي والصراري بسيارتهم العادية ولم يشكل الضباب حائلاً.

في المهرجان دعا الصوفي “الجماهير الى مواصلة السير وراء قائد الديمقراطية والرجل الديمقراطي الاول علي عبد الله صالح للحفاظ على العملية الديمقراطية وعدم افساح المجال لمن يريدون الوصول باليمن الى حالة الفراغ الدستوري”.
 
حسبما قال ويا ترى خلف من كنا نسير حتى نواصل السير خلف علي عبدالله صالح؟ هل كنا نسير خلف طماح مثلاً؟ والمصطلحات “السير، والقائد،” نكهة قديمة ينقصها مصطلح “الزعيم الراحل” كبقايا مصطلحات متعثرة في ذهنية الصوفي القومية القديمة التي كانت كفيلة بأن يربح الصوفي مقابلها “المرأة والحمار” بحسب سنارة عبد الملك شمسان.

وهاجم محافظ تعز المعارضة بشده قائلاً انها “تريد العودة الى ربوع الشمولية والى استخدام الحوار وسيلة للابتزاز وتحقيق المصالح الذاتية بعيداً عن المصالح الوطنية ومصانع الشعب”.

شملتها يا حمود!! ووصف المعارضة بـ “التائهة التي تعرف ماذا تريد ولا تجيد سوى تهييج الناس ضد بعضهم البعض كما انها لا تجيد سوى اثارة الفتن والمشاكل والقلاقل بين الناس”. ولم يلتفت الصوفي الى تعز التائه من شدة العطش. وقال: “ان الناس يريدون معارضة بناءه تقدم مصالح الشعب والوطن على مصالحها الشخصية”.

ودعا الجميع الى الابتعاد عن ثقافة تقديس المصالح الذاتية وتقديم المصالح الوطنية، وكأنما قيادة المعارضة تحاول ان تمنح اولادها مقاعد نيابية. من حسنات هذا المهرجان انه اسمعنا صوت طال غيابه او تغييبه: صوت عبدالعزيز عبد الغني الذي حرك الشجن المملؤ بالشوق كما لو انه صوت فؤاد عبد الواحد.

لقد دعا رئيس مجلس الشورى احزاب المشترك الى مراجعة حساباتهم من العملية الديمقراطية، قائلا: لا يزال هناك متسع من الوقت لعملية المراجعة والعودة الى الصواب”.

عنتريات سيف الدولة ومتنبي تعز
 
بعيداً عن الخطابات الرومانسية لسيف الدولة وعنترية منتبي تعز، دعونا نكون من انصار المدرسة الواقعية ونطرح الحقيقة المرة: هل فكر الرئيس صالح يوما ما في التقاعد غير الممسرح؟ فهو يدرك انه لم يعد قادراً على تقديم اداء جدير وفق مقاييس العطاء الحياتي القادر على رسم خارطة حياة نهضوية للشعب فقد يئس الشعب من عطاء الحاكم كما يأس الكفار من اصحاب القبور بعد ثلاثة عقود من الحكم حول صالح ماضي البلاد الى سيرة ذاتية وربما سيتمكن من البقاء اكثر ويصبح ملكاً في قصر جمهوري- حد تعبير الزميل خالد عبد الهادي- اذا تمكن حزبه من تمرير التعديلات الدستورية، ما يعني بقاء صالح رئيساً مدى الحياة فيما بات يعرف بسيناريو قلع العداد وربما تكون الكهرباء النووية خيراً من العدد ذاته!.

محمد عبد الله الجرادي
[email protected] 

عن صحيفة الأهالي

زر الذهاب إلى الأعلى